responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : البحر المحيط في التفسير نویسنده : أبو حيّان الأندلسي    جلد : 3  صفحه : 680
كُلَّما نَضِجَتْ جُلُودُهُمْ بَدَّلْناهُمْ جُلُوداً غَيْرَها انتصاب كل على الظَّرْفِ لِأَنَّهُ مُضَافٌ إِلَى مَا الْمَصْدَرِيَّةِ الظَّرْفِيَّةِ، وَالْعَامِلُ فِيهِ بَدَّلْنَاهُمْ، وَهِيَ جُمْلَةٌ فِيهَا مَعْنَى الشَّرْطِ، وَهِيَ فِي مَوْضِعِ الْحَالِ، وَالْعَامِلُ فِيهَا نُصْلِيهِمْ. وَالتَّبْدِيلُ عَلَى مَعْنَيَيْنِ: تَبْدِيلٌ فِي الصِّفَاتِ مَعَ بَقَاءِ الْعَيْنِ، وَتَبْدِيلٌ فِي الذَّوَاتِ بِأَنْ تَذْهَبَ الْعَيْنُ وَتَجِيءَ مَكَانَهَا عَيْنٌ أُخْرَى، يُقَالُ: هَذَا بَدَلُ هَذَا. وَالظَّاهِرُ فِي الْآيَةِ هَذَا الْمَعْنَى الثَّانِي. وَأَنَّهُ إِذَا نَضِجَ ذَلِكَ الْجِلْدُ وَتَهَرَّى وَتَلَاشَى جِيءَ بِجِلْدٍ آخَرَ مَكَانَهُ، وَلِهَذَا قَالَ: جُلُودًا غَيْرَهَا. قَالَ السُّدِّيُّ: إِنَّ الْجُلُودَ تُخْلَقُ مِنَ اللَّحْمِ، فَإِذَا أُحْرِقَ جِلْدٌ بَدَّلَهُ اللَّهُ مِنْ لَحْمِ الْكَافِرِ جِلْدًا آخَرَ. وَقِيلَ: هِيَ بِعَيْنِهَا تُعَادُ بَعْدَ إِحْرَاقِهَا، كَمَا تُعَادُ الْأَجْسَادُ بَعْدَ الْبِلَى فِي الْقُبُورِ، فَيَكُونُ ذَلِكَ عَائِدًا إِلَى الصِّفَةِ، لَا إِلَى الذَّاتِ. وقال الفضيل: يجعل النضيج غَيْرَ نَضِيجٍ. وَقِيلَ: تُبَدَّلُ كُلَّ يَوْمٍ سَبْعَ مَرَّاتٍ. وَقَالَ الْحَسَنُ: سَبْعِينَ. وَأَبْعَدُ مَنْ ذَهَبَ إِلَى أَنَّ الْجُلُودَ هِيَ سَرَابِيلُ مِنْ قَطِرَانٍ تُخَالِطُ جُلُودَهُمْ مُخَالَطَةً لَا يُمْكِنُ إِزَالَتُهَا. فَيُبَدِّلُ اللَّهُ تِلْكَ السَّرَابِيلَ كُلَّ يَوْمٍ مِائَةَ مَرَّةٍ. أَوْ كَمَا قِيلَ: مِائَةَ أَلْفِ مَرَّةٍ. وَسُمِّيَتْ جُلُودًا لِمُلَابَسَتِهَا الْجُلُودَ. وَأَبْعَدُ أَيْضًا مَنْ ذَهَبَ إِلَى أَنَّ هَذَا اسْتِعَارَةٌ عَنِ الدَّوَامِ، كُلَّمَا انْتَهَى فَقَدِ ابْتَدَأَ مِنْ أَوَّلِهِ، يَعْنِي: كُلَّمَا ظَنُّوا أَنَّهُمْ نَضِجُوا وَاحْتَرَقُوا وَانْتَهَوْا إِلَى الْهَلَاكِ أَعْطَيْنَاهُمْ قُوَّةً جَدِيدَةً مِنَ الْحَيَاةِ، بِحَيْثُ ظَنُّوا أَنَّهُمُ الْآنَ حَدَّثُوا وَوَجَدُوا، فَيَكُونُ الْمَقْصُودُ بَيَانُ دَوَامِ الْعَذَابِ وَعَدَمِ انْقِطَاعِهِ. وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: يُلْبِسُهُمُ اللَّهُ جُلُودًا بَيْضَاءَ كَأَنَّهَا قَرَاطِيسُ. وَقَالَ عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ يَحْيَى: يَلْبَسُ أَهْلُ النَّارِ جُلُودًا تُؤْلِمُهُمْ وَلَا تُؤْلَمُ هِيَ.
لِيَذُوقُوا الْعَذابَ أَيْ ذَلِكَ التَّبْدِيلَ كُلَّمَا نَضِجَتِ الْجُلُودُ، هُوَ لِيَذُوقُوا أَلَمَ الْعَذَابِ.
وَأَتَى بِلَفْظِ الذوق المشعر بالإحسان الْأَوَّلِ وَهُوَ آلَمُ، فَجَعَلَ كُلَّمَا وَقَعَ التَّبْدِيلُ كَانَ لِذَوْقِ الْعَذَابِ بِخِلَافِ مَنْ تَمَرَّنَ عَلَى الْعَذَابِ. وَقَالَ الزَّمَخْشَرِيُّ: لِيَذُوقُوا الْعَذَابَ لِيَدُومَ لَهُمْ دُونَهُ وَلَا يَنْقَطِعَ، كَقَوْلِكَ لِلْعَزِيزِ: أَعَزَّكَ اللَّهُ أَيْ أَدَامَكَ عَلَى عِزِّكَ، وَزَادَكَ فِيهِ.
إِنَّ اللَّهَ كانَ عَزِيزاً حَكِيماً أَيْ عَزِيزًا لَا يُغَالَبُ، حَكِيمًا يَضَعُ الْأَشْيَاءَ مَوَاضِعَهَا.
وَقَالَ الزَّمَخْشَرِيُّ: عَزِيزٌ لَا يَمْتَنِعُ عَلَيْهِ شَيْءٌ مِمَّا يُرِيدُهُ بالمجرمين، حكيما لَا يُعَذِّبُ إِلَّا بِعَدْلٍ من يستحقه.

[سورة النساء (4) : آية 57]
وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ سَنُدْخِلُهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ خالِدِينَ فِيها أَبَداً لَهُمْ فِيها أَزْواجٌ مُطَهَّرَةٌ وَنُدْخِلُهُمْ ظِلاًّ ظَلِيلاً (57)

نام کتاب : البحر المحيط في التفسير نویسنده : أبو حيّان الأندلسي    جلد : 3  صفحه : 680
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست